يقول المثل المعروف " ما في شجرة وصلت لربّها "..
ولكن القصة تقول شيئاً آخر ..
الإنسان له احلام ، قد لا تتحقق وقد يتحقق ما هو اكثر منها .. على الطموح أن لا يتوقف ما دامت العينان مفتوحتان على نافذة الحياة ..
في قديم الزمان كانت ثلاث شجرات قائمات في غابة.
ولكن القصة تقول شيئاً آخر ..
الإنسان له احلام ، قد لا تتحقق وقد يتحقق ما هو اكثر منها .. على الطموح أن لا يتوقف ما دامت العينان مفتوحتان على نافذة الحياة ..
في قديم الزمان كانت ثلاث شجرات قائمات في غابة.
قالت الاولى: ارجو ان اصبح فيما بعد صندوقا فخما، محفورا بدقة ومزخرفا، تحفظ فيه الكنوز من ذهب وفضة وجواهر. بالتأكيد
سيعجب الكل بجمالي.
قالت الثانية: ارجو ان اصبح سفينة كبيرة فاخرة تمخر البحار وتسافر الى اقاصي الدنيا وعلى متنها تحمل الملوك والامراء. وسيشعر
المسافرون بأمان لاني سأكون متينة جدا.
قالت الثالثة: ان حلمي ان أبقى لكي اصبح اكبر شجرة في الغابة، ترتفع اغصاني حتى السماء واقترب من الله. سينظر الناس الي من
سفح الجبل وسيعجبون بعظمتي.
بعد بضع سنوات جاء حطابون ثلاثة الى الغابة واقتربوا من الشجرة الاولى. قال احدهم: يبدو لي ان هذه الشجرة متينة وخشبها جيد،
سأقطعها وابيعها للنجار بمال كثير. وقطع الشجرة التي فرحت لأنها ظنت ان النجار سيصنع منها صندوقا فخما، وأن حلمها اوشك على التحقق.
واقترب الحطاب الثاني من الشجرة الثانية وقال: هذه شجرة متينة ايضا. سأبيعها لصانع السفن. ففرحت الشجرة لأنها ظنت انها
ستصير سفينة عظيمة.
ثم اقترب الحطابون من الشجرة الثالثة التي خشيت ان يقطعوها قبل ان تكبر وتصل الى السماء. قال احدهم: لا اعرف ماذا سأصنع بهذه
الشجرة، لكني سأقطعها لأن خشبها جيد. فسقطت الشجرة المسكينة وتهاوى حلمها معها.
لما وصلت الشجرة الاولى عند النجار صنع منها معلفا للحيوانات، فوضعت في حظيرة وملأوها تبناً وعلفاً. حزنت الشجرة كثيراً على
ما آل إليه وضعها. أين منها الكنوز والجواهر التي حلمت بها؟
صارت الشجرة الثانية مركبا صغيرا للصيد في البحيرة. ولن تسافر ابدا الى البلاد البعيدة، ولن تحمل اكثر من الصيادين وأسماكهم.
وكادت ان تموت من الغمّ والحزن.
أما الشجرة الثالثة فصارت الواحا خشبية وُضعت في مخزن قديم لتجف.
مرت السنون وراء بعضها ونسيت الاشجار رويداً رويداً احلام شبابها.
في احد الايام وصل مسافرين الى الحظيرة، حيث كانت الشجرة الأولى ممتلئة بالقش والتبن ، رجل وامرأة حامل. بعد وصولهما بقليل
ولدت المرأة طفلا جميلاً ووضعته على التبن في المعلف، غذ يبدو انهما غرباء لا بيت لهما في تلك المدينة. جرت في تلك الحظيرة
امور غريبة بعد أيام، وصل بعض الملوك الغرباء فجأة قاصدين ذلك الطفل ، وفتحوا كنوزهم ووضعوها عند قدميه ، ذهباً للملوك ..
ولباناً للكهنة .. ومُرّاً ذكي الرائحة . حتى ان الشجرة ادركت اهمية الحدث وعرفت أن الطفل الذي يغفو في احضانها لا يُقارن به أغلى
كنوز العالم ..
بعد سنوات كثيرة من ذلك الحدث كان الصيادون يصطادون السمك في البحيرة على ظهر القارب. تعبوا كثيرا في الصيد ونام احدهم من
كثرة التعب في مؤخرة القارب. هبت بعد قليل عاصفة شديدة حتى اوشك المركب ان يغرق بمن فيه. أيقظ الصيادون المذعورون الرجل
النائم قائلين له بان المركب يغرق، فقام بهدوء وامر الرياح والبحر فهدأت العاصفة في الحال. لما رأت الشجرة ما حصل أدركت ان ملك
الملوك كان على متنها وان اكثر من احلام صباها قد تحقق اخيرا.
بعد سنوات من العزلة في مخزن مظلم، جاء بضعة جنود صباح يوم الجمعة وحملوا اخشاب الشجرة الثالثة ووضعوها على كتفي رجل
أنهكه التعذيب والجلد وسالت الدماء من كل جسده الممزق، واضطروه ان يحملها ويسير في شوارع المدينة والناس من حوله يشتمونه
ويهزأون بهويسخرون منه، وهو يسقط ويتعثّر تحت ثقل اخشابها. ولما توقف في أعلى إحدى التلال سمّروه عليها ثم ثبتوها على تلة
وتركوه يموت أمام عيني أمه واحد أصدقائه. بعد ان مات جاء رجلين وقورين انزلوه عنها ودفنوه في قبر جديد مجاور. وكانت الشجرة
ترى امورا كثيرة تحدث وتسمع كلمات كثيرة ولا تدرك ما يحدث. صباح الاحد التالي فهمت الشجرة ان حلمها القديم بان تصل
اغصانها الى عرش الله لم يكن شيئاً بالنسبة لما حصل لها في الحقيقة. فعلا سيذكرها كثير من الناس ويسجدون لها على مرّ العصور
ويطلبون من النعمة التي انسكبت عليها.
عندما لا تسير الامور كما تريد، ليتك تتذكر ان هناك من يهتم بك. لقد تحققت احلام الشجرات الثلاثة، لكنها لم تتحقق بالطريقة التي
ارادتها كل شجرة لنفسها ولا بالسرعة التي تخيلتها كل منها.
قد لا تكون طريقتك هي الصواب .. فلا تحزن على ما تعتقد أنه تهاوى من احلامك ، لأن ما تخبئه لك الأيام لربما افضل بكثير ..