الأرقام السورية هي إحدى مآثر الأمة السورية , و التي تدل على أن السوريين و منذ القدم لهم منحى عملي في الحياة فلم تكن الغيبيات تشغلهم كثيراً عن العمل و التفوق في الحياة .
أهمية الأرقام :
تعود أهمية الأرقام إلى دلالتها فكان لاختراعها أهمية كبيرة في تطور العلوم النظرية و التطبيقية ، حيث تشكل أساس علم الرياضيات و الفلك و الهندسة و الفيزياء و الكيمياء ….
الأرقام تاريخياً :
نجد أن الإنسان على مر العصور استخدم طرقاً كثيرة للعد ، فابتدأ بأصابع اليدين و الحصى و الصدف ثم استخدم الأرقام التصويرية كما نجدها عند إنسان الكهف ، و الأرقام الرمزية و الأرقام الهيروغليفية و الأرقام الألفبائية .
و لكن أرقى أنواع الأرقام التي توصل إليها الإنسان هي :
أرقام رومانية I Ii Iii Iv V Vi Vii Iix Ix
أرقام هندية وهي الأرقام المستخدمة في المدارس السورية و الدوائر الرسمية ( و لم يقبل حاسبي الخاص إظهارها)
أرقام سورية 1 2 3 4 5 6 7 8 9
إن ما يجمع الأرقام الهندية و الأرقام السورية هو اعتمادهما على نظام التعداد العشري في بناء الأعداد.
الأرقام السورية و تطورها :
أول سوري وضع مخططاً للأرقام مرتكزاً على أساس الزوايا هو راهب سرياني من دير " قنسرين " على ضفاف الفرات اسمه : " سفيروس " و كان يدرس الرياضيات و الفلسفة ، ثم تلاه راهب آخر من نفس الدير هو " مر داس " سنة ( 663م .) حيث جعل لكل رقم رمزاً ذا صفة علمية مستنداً إلى قاعدة رياضية في تحقيقه و ذلك باستخدام الزوايا الحادة و القائمة كأساس لبناء الرقم حيث اعتبر عدد الزوايا الحادة و القائمة هي علامة تقييمه ، فنجد في العدد واحد (1) زاوية حادة واحدة و في العدد ( 2) زاويتان و هكذا يكون الرقم صفر ( 0 ) بدون زوايا . هذا من حيث الترميز ، و لكن الأهم من ذلك هو اعتماد نظام التعداد العشري الذي يمكن من بناء الأعداد الأكبر في مجموعات أخرى هي الآحاد و العشرات و المئات ---- الخ و هكذا إلى المالانهاية . و يعتبر ذلك تطوراً هائلاً تحرزه الأرقام السورية على سابقتها حيث قدمت حلاً لمشكلة كتابة الأرقام ذات القيمة المرتفعة ، بينما لم يستطع الرومان حل تلك الإشكالية لأنهم اعتمدوا على كتابة الأعداد على شكل رموز حيث أنهم أعطوا لكل عدد رمز :
أرقام رومانية I Ii Iii Iv V X C D M
أرقام سورية 1 2 3 4 5 10 100 500 1000
و كان لاختراع الصفر أهمية كبيرة حيث تم تحديد الرقم الذي بانتهائه يبدأ الواحد و بذلك فتح المجال لابتكار الأرقام السالبة . و الأرقام العشرية هي عشرة بالفعل إلا أنها تبدأ بالصفر و تنتهي بالتسعة ( 9 ) و ليس بالعشرة كما يظن البعض . و لغايات فنية تتعلق بحسن الخط أصبحت الأرقام السورية كما نعهدها اليوم بعد أن كسرت زواياها و أصبحت منحنيات .
استعملت الأرقام السورية بشكل قريب إلى شكلها الحالي في مدرستي : " نصيبين " و " الرها " و استمرت حتى نهاية القرن الثامن ، و كذلك استعملها الخوارزمي ( 770 – 850 م . ) في كتابه " حساب الجبر و المقابلة " و في علم اللوغاريتم ، و كذلك استخدمها : أبو الوفا ( عالم في الرياضيات ) في القرن التاسع الميلادي .
أما من الذين حسنوا الأرقام السورية فنذكر العالم الفلكي الأندلسي نور الدين أبو اسحق الطبرجي 1133 – 1204م. الذي وضع كتاب الهيئة فعالج فيه صورة الأجرام السماوية .
انتقال الأرقام السورية إلى العالم :
وصلت الأرقام السورية إلى أوروبا من خلال عدة طرق أهمها :
بعد احتلال بيزنطة لحلب 961 م . حيث صادرت محتويات و وثائق قصر سيف الدولة الحمداني و الذي كانت جميع مدوناته الحسابية بالأرقام السورية .
و كذلك الأمر من خلال دخول الفاطميين إلى صقلية عام 983 م . و بذلك انتقلت إلى أوروبا
و من خلال الأندلس وصلت إلى أوروبا الغربية ، كذلك عن طريق الصليبيين الذين دخلوا سورية الطبيعية عام 1190 م.
و في الكتابات الغربية نجد أن الأرقام السورية معرفة باسم الأرقام العربية :
أ – ففي معجم لاروس Larouse الفرنسي : يعرف هذه الأرقام بأنها عربية و أنها أصبحت معروفة في فرنسا منذ القرن العاشر الميلادي .
ب – و في كتاب " الرياضيات قيد الصنع " لصاحبه " هوغبن " Lancelot Hogben يقول :" لا ريب أن المسلمين هم الذين نقلوا إلى الغرب حوالي 1100 م . الأرقام التي يستخدمها الأوروبيون اليوم و كانت جامعاتهم في اسبانيا تعتبر منارة للعلم " .
ج – جاء في كتاب Le Chiffre لصاحبه Peignot Adamoft يقول : " إن الصفر يدل في اللغة العربية على الفراغ و قد زعم بعضهم أن ليس بين لفظتي الصفر و الشيفر إلا فرق يسير في الصوت إلى أن يقول : و من الغريب حقاً أن يجعل بعض علماء الغرب من فكرة الفراغ و لفظتها شيفر اسماً يطلقونه على العقود كلها " . بالإضافة إلى ذلك نجد أن الأوروبيون أخذوا مع الأرقام السورية طريقة استخدام السوريين للعمليات الحسابية الأربعة : ( + ، - ، × ، ÷) أي من اليمين إلى اليسار و لكنهم يقرأون النتيجة حسب لغتهم .
كيف جاءت الأرقام الهندية إلى البلاد السورية :
كان أول وصول للأرقم الهندية إلى البلاد السورية على يد العالم الفلكي الهندي " كانكا " ( 773 م .) ، حيث وصل بغداد عاصمة العلم و المعرفة في العالم في ذلك الزمان .
و أول من استعمل الأرقام الهندية الجديدة هو الخوارزمي الذي قسم الأرقام إلى نوعين : هندي ، و غباري ( سوري ) .
و نشأ تضارباً في أسبقية نشوء الأرقام من قبل الهنود أم من قبل السوريين لأن الاختراع كان قد تم في فترة زمنية واحدة.
و لأسبابٍ دينية و جغرافية غزت الأرقام الهندية سورية الطبيعية عبر بلاد فارس و عن طريق احتلال " هولاكو " لبغداد و إقامة دولة المغول ، فأدى ذلك إلى تثبيت الأرقام الهندية ، ثم جاء الأتراك العثمانيون و زادوا في تثبيتها .
ما هي مزايا الأرقام السورية و ما هي أهمية استعمالها :
إن الأرقام السورية لا تقبل التزوير بسهولة في الوثائق المكتوبة دون أن يظهر الخلل على شكل الرقم ، أما في الأرقام الهندية فيمكن تحويل الصفر( . ) إلى أي رقم ، و كذلك الرقم( واحد) يمكن تزويره إلى ثلاثة و ستة و سبعة و ثمانية و تسعة .
و في الرومانية هنالك سهولة في التزوير ، فالواحد(i)يمكن تزويره إلى Ii أو Vi أو Iii .
و بنفس الوقت نجد أن الأرقام السورية هي السائدة في العالم و في لغة العلم .
و قد جاء في رأي الأمانة العامة للمنظمة العربية للمواصفات و المقاييس بتاريخ 25 \ 5 \ 1982 من الأجدى اتباع سياسة تهدف إلى استخدام الأرقام العربية 0 – 1 – 2 – 3 – 4 ----- ، حيثما أمكن لتحل محل الأرقام الهندية و بشكل خاص في المجالات العلمية و التعليمية ، بينما يمكن الإبقاء على استخدام الأرقام الهندية في مجالات خاصة كما بقيت الأرقام الرومانية في أوروبا ) *
و إذا كان العالم كله يعترف بما قدمته الأمة السورية له من مبادئ الأرقام و يتخذها و يستعملها فيتوجب علينا نحن أحفاد من أوجدوها أن نعمل بها حفاظاً على تراثنا الفكري الذي بلغ من القيمة و الأهمية مكانة أهلته ليصبح عالمياً ، حيث كل إبداع ذو قيمة يتأنسن .